بسم الله الرحمان الرحيم
تونس: كانت الأجواء أكثر من رائعة في منزل السيد نعمان الحكيم فصيف 1992 حمل معه بشرى ولادة لمياء التي جاءت لتؤنس وحدة أختها علياء ومع مرور الأيام كبرت الرضيعة لتكبر معها آمال والديها لكن الفرحة لم تكتمل حين لاحظ الوالدان بداية من الشهر السادس أمرًا غير عادي في بشرة لمياء ظنا في البداية أنها مجرد حبوب بنية اللون تعرف على أنها من علامات الجمال لكن بمرور الوقت بدأت البقع تميل إلى السواد وتنتشر بشكل سريع في كامل أنحاء جسدها وكانت الصدمة الكبرى وبداية المعاناة حين صرح الطبيب المختص في الأمراض الجلدية للسيد نعمان أن لمياء تشكو من مرض سرطاني عضال نادر جدا يصيب الأطفال نتيجة حساسيتهم المفرطة للأشعة الفوق بنفسجية المتأتية من الشمس لتتطور إلى ورم سرطاني خبيث ينتهي بالوفاة الحتمية في سن مبكرة.جمعية لمساعدة أطفال القمر ولكن؟منذ ذلك التاريخ انكب والد لمياء بغريزة أبوية على البحث عن أسباب هذا المرض وسبل الوقاية منه وأثمرت كل تلك المجهودات عن تأسيس أول جمعية على الصعيد العربي بتاريخ 29 نيسان 2008 تعنى بهذا المرض الخبيث وتهدف إلى مساعدة الأطفال المصابين بهذا الداء أطلق عليها "جمعية أطفال القمر" وتضم نخبة من أطباء الاختصاص وأولياء الأطفال المصابين بهذا المرض العضال.عنوانها هو:www.xp-tunisie.org.tn يقول السيد نعمان
التجربة التي عاشتها ابنتي الصغيرة لمياء جعلتني أفكر في مصير أطفال آخرين مصابين بالمرض ذاته و لولا البحوث التي أجريتها حول هذا الداء واستيرادي لها بدلة خاصة مقاومة للأشعة الفوق البنفسجية بشكل مبكر لما تمكنت صغيرتي من البقاء على قيد الحياة ومارست حياتها بشكل طبيعي. فجهل العديد من الناس لهذا المرض جعل اكتشافه بشكل مبكر أمرا مستعصيا ومن هنا كان توجه الجمعية للتعريف أكثر بهذا المرض النادر وتخفيف وطأته على المصابين به وعوائلهم فضلا عن تزويدهم بالمراهم الواقية والنظارات الشمسية الخاصة والبدلات العازلة للأشعة الفوق بنفسجية". يواصل محدثي قوله:"نحن على يقين انه لايوجد لحين اللحظة دواء ناجع لهذا الداء اللعين لكن الحماية والابتعاد قدر الإمكان عن أشعة الشمس والأشعة الفوق بنفسجية هي الوسيلة الوحيدة لضمان عدم استفحال المرض ومضاعفة حظوظ المصابين به في الحياة"
محدثي أعرب بكل أسف عن افتقار الجمعية للدعم المادي ولاسيما ان البدلات الوقائية والنظارات الشمسية المستوردة من دول أوروبية باهظة الثمن ولولا المساعدات التي تتلقاها الجمعية من جمعيات مماثلة في فرنسا بفضل مجهودات شخصية لما تمكنت من مواصلة نشاطها الخيري كما تناشد الجمعية عبر إيلاف كل الجهات المعنية ورؤوس الأموال إلى المساعدة والدعم. من ناحية أخرى تنكب هذه الجمعية على استيراد البدلات الوقائية والمراهم والنظارات لتوزيعها على الأطفال التونسيين وقد تمكنت لحين اللحظة من حماية 48 طفلا وهو عدد ضئيل جدا مقارنة بالحجم الجملي لعدد المصابين الذي يقدر بنحو 800 طفل.
تجاهل عربي للمرض
مرض كزيروديرما Xeroderma pigmentosum أو مرض أطفال القمر هو مرض وراثي بالأساس تم اكتشافه لأول مرة سنة 1870 من طرف الدكتور Moritz Kaposi وهو ناتج من فقدان ADN لخاصيته في معالجة الطفرات الناتجة من اختراق الأشعة فوق البنفسجية للجلد نظرا لغياب اونزيم
ADN بوليميراز 1 و 3 ما يتسبب في احتراق الجلد وتقرّحه التام ومن ثمة الإصابة الحتمية بالسرطان.
الدكتور محمد الزغل المختص في الأمراض الجلدية والرئيس الشرفي لجمعية أطفال القمر في تونس اخذ على عاتقه منذ سنة 1985مهمة البحث عن أصول هذا المرض وتطوير وسائل جديدة للوقاية منه بين أن هذا المرض الغريب والنادر تم اكتشافه وتسجيله لأول مرة في تونس سنة 1920 على يد الدكتور شارل نيكول . هذا المرض حسب قوله يصيب تقريبا 14 في المائة من سكان المغرب العربي وهي حسب اعتقاده نسبة مرتفعة مقارنة بالدول الأوروبية التي لا يتجاوز نسبة تفشي المرض فيها 1 من 300 ألف أما في اليابان فلا يتعدى 1 في المائة.وفي تونس يقدر عدد المصابين بين 500 و800 حالة ينحدر أغلبهم إلى مناطق الشمال الغربي حيث تسجل زيجات الأقارب أعلى مستوياتها وبالتالي فان هذا المرض الوراثي الناتج من خلل في الجينات لايتسنى له الظهور مبكرا إلا عند التعرض لأشعة الشمس.
هذا المرض وفق تأكيداته يعادل تقريبا ثمانية أمراض سرطانية ويؤدي إلى تشوهات عميقة على مستوى الوجه والعينين والأذنين ما يجعل أمل الحياة عند المصابين به لايتجاوز العشرين سنة لكن الاكتشاف المبكر له والإجراءات الوقائية المتخذة تساهم بشكل فعال في التخفيف من وتيرة تطوره وذلك عبر عدم التعرض لأشعة الشمس وتحديدا الفوق بنفسجية واستعمال المراهم الجلدية وحمل نظارات وملابس خاصة يطلق عليها "بدلة النازا" عازلة للأشعة.
دكتور زغل أشار بنوع من الأسى إلى تجاهل العالم العربي لهذا المرض وغياب الاستثمار في الأبحاث العلمية والطبية حوله ما جعل أطفال القمر في دائرة التهميش بعلة أن هذا المرض لم يرتق إلى مستوى الظاهرة المفزعة على عكس الاهتمام الواسع في البلدان الأوروبية التي خصصت حيزا مهما من البحوث والأموال لحماية هؤلاء الأطفال وذلك عبر ابتكار بدلات خاصة تقيهم من الأشعة وتخصيص فضاءات ترفيهية محمية تجعلهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي وتشعرهم بأنهم أشخاص أسوياء لا ظواهر وجب التكتم عليها.